الطباعة في الوطن العربي
تأخر دخول الطباعة إلى الوطن العربي قرابة 150 سنة عن أوروبا، لأن اختراعها جاء في وقت كانت فيه سحب الإسلام تنحسر على الأندلس، والجهل يطبق على البلاد العربية الإسلامية، فلم يدرك العالم العربي أنداك أهميتها، وقد احتاج إدخالها إلى الدولة العثمانية إلى فتوى شرعية، فسمح بها العلماء بعد معارضة شديدة شريطة اقتصارها على طبع الكتب غير الدينية، ثم سمحوا بطبع الكتب الدينية فيما بعد حين تبينوا فائدتها.
وقد أنشئت في لبنان عام 1610 م أول مطبعة عرفها العالم العربي وهي مطبعة دير قزحيا جنوب مدينة طرابلس وكانت تستعمل الحروف السريانية والعربية بينما استعملت مطبعة ديرمار يوحنا الصايغ التي أنشئت بالشوبر في لبنان أيضا عام 1733م الحروف العربية، وكان لمؤسسها وهو عبد الله زاخر أصله من حماة بسوريا قدرة كبيرة على صنع أجزاء المطبعة.
كما تأسست في لبنان أيضا عام 1751 مطبعة القديس جارجيوس للروم الأرثوذوكس بينما نقلت المطبعة الأمريكانية للمرسلين الأمريكان عام 1834 م إلى بيروت وسمحت لها السلطات العثمانية بالعمل ولم تفرض عليها القيود التي فرضتها على غيرها من المطابع كذلك قامت في لبنان عام 1848 م المطبعة الكاثوليكية للآباء وكانت تطبع على الحجر ثم صارت تطبع على الحروف عام 1854 م.
بعد ذلك أنشئت فيه أيضا المطبعة السورية لصاحبها خليل الخوري عام 1857 وبعدها بعشر سنوات تأسست مطبعة المعارف للبستاني.
وفي عام 1874 أنشئت المطبعة الأدبية لخليل سركيس وكان للتنافس بين المطابع الكاثوليكية والمطابع الأمريكية في لبنان أثره الواضح على تطور الطباعة هناك.
وتعد مدينة حلب في سوريا من أوائل المدن لعربية التي عرفت الطباعة، فقد أسس فيها البطريرك أثناسيوس دباس عام 1806 م مطبعة عرفت باسمه وهي مطبعة دباس، طبعت عشر كتب دينية منها كتاب المزامير ثم توقفت عن العمل.
بعدها أقيمت في هذه المدينة أيضا مطبعة أخرى وهي المطبعة المارونية، ثم أقيمت مطبعة الروماني في دمشق، وكان نشاطهما ينحصر في طباعة الكتب الدينية وبعض الأوراق التجارية.
كما أنشئت الحكومة العثمانية مطبعة ولاية دمشق عام 1864 م ولكنها لم تهتم إلا بنشر الوثائق الرسمية وكان إبراهيم باشا قد أحضر معه مطبعة أثناء احتلاله دمشق ولكنها لم تبق فيها طويلا.
أما مطبعة الأستانة في تركيا فقد كانت أسبق هذه المطابع إلى نشر الكتب الأدبية والعلمية والعربية ويعود أقدم كتاب طبع فيها إلى عام 1728 ومن بين الكتب التي طبعتها هذه المطبعة كتاب القاموس المحيط للفيروز أبادي عام 1814 م وكافية ابن الحاجب عام 1819 وبلغ ما طبع فيها من الكتب الأدبية واللغوية حتى عام 1840 م أربعين كتابا.
أما أولى المطابع التي وصلت الأرض العربية وكان نتاجها متنوعا واسعا نوعا ما فهي المطبعة التي أحضرها نابليون معه إلى مصر أثناء الحملة الفرنسية عام 1798 م والتي عرفت بمطبعة البروبوجاندا أي الدعاية لأن نابليون أراد من خلالها استمالة المصريين إليه عن طريق الدعاية، وكانت هذه المطبعة تطبع منشورات ومراسيم الحملة، وتعرف المصريين بأفكار الثورة الفرنسية، محاولة استقطاب قلوبهم وإستمالتهم إليها.
وقد عرفت هذه بأسماء مختلفة مثل "المطبعة الشرقية" أو "المطبعة الشرقية الفرنسية ولما استقرت في القاهرة أصبحت تعرف باسم "المطبعة الأهلية".
خرجت هذه المطبعة من مصر مع خروج الحملة الفرنسية منها عام 1801 م وبقية مصر خالية من المطابع حوالي عشرين عاما حتى أنشأ محمد علي باشا عام 1821 م مطبعة بولاق الشهيرة التي نشر فيها جريدة الحكومة الرسمية "الوقائع المصرية" كما نشر فيها منشورات ومراسيم الحكومة والكتب المدرسية والعسكرية إلى جانب العديد من الكتب العربية القديمة مثل كتاب ألف ليلة وليلة وكتاب كليلة ودمنة أو الكتب التي أمر بترجمتها إلى اللغة العربية وقد بلغ عدد الكتب التي طبعتها هذه المطبعة فيما بين عامي 1822 م/ 1830 م نحو خمسين كتابا، ارتفع في نهاية عام 1850 إلى ثلاثمائة كتاب في مختلف الشؤون الأدبية والتاريخية والفنية وكانت هذه المطبعة أهم المطابع العربية جميعا آنذاك وأبعدها أثرا على بعث الثقافة العربية.
وما تزال تحتفظ بمكانة مرموقة بين هذه المطابع إلى اليوم.
وفي مصر أيضا أنشأ كيرلس الرابع بطريرك الأقباط المطبعة الأهلية القبطية عام 1860م وبعد ذلك بستة أعوام أنشأ أبو السعود مطبعة وادي النيل.
عرفت الطباعة أيضا في فلسطين مند عام 1830 حين أنشأ نسيم باق مطبعة في القدس لطبع الكتب الدينية ثم أنشأ الرهبان المسيحيون مطبعة أخرى عام 1846 م لبث التعاليم الدينية في فلسطين وقد ظل اليهود المسيحيون مسيطرين على المطابع في فلسطين حتى الربع الأخير من القرن التاسع عشر عندما أنشأ المسلمون مطبعة المرسلين العربية.
أما العراق فقد دخلته الطباعة متأخرة بسبب ظروف الحكم العثماني القاسية فيه آنذاك حيث أنشئت فيه أول مطبعة حجرية في الكاظمية عام 1821 ولكن الطباعة لم ترسخ أقدامها هناك إلا عام 1856 م عندما أسس الرهبان الدومينيكان مطبعة لهم في الموصل وأنشئوا فيها قسمًا خاص بالتجليد والتذهيب وفي هذا العام نفسه تم تشغيل مطبعة ثالثة في مدينة كربلاء إلا أن هذه المطابع لم تستمر طويلا بسبب الأوضاع الاجتماعية والثقافية المختلفة آنذاك حتى كانت إصلاحات الوالي العثماني مدحت باشا الذي أنشأ مطبعة الولاية عام 1869 لطبع جريدة البلاد الرسمية باللغتين العربية والتركية وهي مطبعة تجارية إلا أن هذه المطبعة أهملت فيما بعد لفترة من الزمن ولم يطبع بها سوى الصحيفة الحكومية البائسة ..
أما في بقية أنحاء البلاد العربية فقد دخلت الطباعة متأخرة عن التواريخ السابقة وضمن فترات متفاوتة .. يقول الأديب والحرفي الدمشقي وجيه بيضون في كتابه "بين الصناديق" الذي عقد فيه فصلا كاملا للكلام على تاريخ الطباعة في سورية والعالم العربي: "ومن المؤسف أن الشرق العربي لم يتأد له أن يعرف الطباعة إلا متأخرا، أي بعد قرنين تقريبا من ظهورها" وكانت حلب في سورية أول مدينة عربية يطبع فيها كتاب بالحروف العربية عام 1706م.
كان لانتشار الطباعة في الوطن العربي دور كبير في تطور الأفكار نحو الوعي الوطني، وإتساع الثقافة، إذ كانت الحركة الفكرية قبل ذلك محصورة في نطاق ضيق لكنها لم تلبث بفضل الطباعة أن أخذت في النمو المطرد لأنها ثقافة جديدة في طبقة جديدة نامية بدأت تظهر وتتكون.
وكانت طباعة الكتب العربية قد بدأت في بعض بلدان أوروبا مند القرن السادس عشر وطبعت كتب عديدة من تراثنا العربي القديم في مطابع روما ولندن وغيرها، بعد أن انصرف المستشرفون إلى تحقيق المخطوطات العربية ونشرها.
تاريخ الطباعة في الجزائر
بدأ ظهور الطباعة العربية في الجزائر متأخرا مقارنة مع المغرب وتونس، فتاريخ أوّل مطبعة عربية شرعت في العمل يرجع إلى سنة 1896م، أمّا أوّل مطبعة فرنسية اشتغلت في التراب الجزائري فهي المطبعة المسماة ” الإفريقية “، حُملت مع إحدى السّفن الحربية الغازية في شهر يونيو من سنة 1830م، كانت تطبع الجريدة العسكرية، وتحولت فيما بعد إلى المطبعة الرسمية، وهي التي أشرفت على طبع جريدة المُبشر في أعدادها الأولى، وفي سنة 1832م أدخل المتصرف المدني “جنتي دي بوسيه” مطبعة عربية فرنسية، وطبع فيها جريدته (المونيتور الجزائري)، كما قام بطبع معاجم عربية فرنسية، وانتشرت المطابع الفرنسية بكثرة في المدن الرئيسية، في الجزائر العاصمة والبليدة ووهران وقسنطينة، اهتمت أوّل أمرها بنشر الجرائد والإعلانات، ومن أقدمها مطبعة كاربونيل سنة 1833م، ومطبعة بوردي 1866م، ومطبعة لوميرسييه بين سنة 1871و1880م، وهي متخصصة في طبع الكتب العسكرية…وغيرها، وحسب إحصاء أٌجري سنة 1957م، فإنّ عدد المطابع الفرنسية في الجزائر بلغ 280 مطبعة.
وأهم المطبعات الفرنسية شهرة هي المطبعة الشرقية لصاحبها “بيير فونتانة”، كان مقرها بشارع بيليسي، أُنشئت في مرحلة متقدمة من العهد الاستعماري سنة 1835م، واهتمت بنشر الكتب الفرنسية، وقامت بطبع جريدة (كوكب إفريقية) سنة 1905م، والتي يشرف عليها الشيخ محمود كحول، إضافة إلى المخطوطات التي حققها كتاب فرنسيون، ككتاب ( أعز ما يطلب) للمهدي بن تومرت سنة 1903م، تحقيق المستشرق جولد تسهير، والمقدمات المبينة للعقيدة الصغرى، ترجمة بالفرنسية للمستشرق لوسيان، وقصيدة العقيقة سنة 1901م، مع ترجمة بالفرنسية للجنرال فور بيقي، ووشاح الكتائب وزينة الجيش المحمدي الغالب لقدور بن رويلة سنة 1886م باعتناء الترجمان العسكري باتورني.
انظر/ لمحة عن تاريخ الطباعة في الجزائر.
وأوّل مطبعة عربية ظهرت في الجزائر هي مطبعة الأخوان أحمد وقدور ردوسي سنة 1896م، بدأت كمكتبة لبيع الكتب بالحيّ القديم (حي القصبة)، فهي أول مكتبة تشرع في استيراد الكتب الشرقية من مصر، فأدخلت إلى الوطن الكثير من كتب التفسير والحديث والفقه واللّغة، ولها فهرسة سنوية تعرض فيها كتبها وخاصة الشرقية منها، وبعد مدة أضاف الأخوان إلى مكتبتهما مطبعة، اشتهرت بطبعاتها الأنيقة، طبعت المؤلفات باللّغة العربية وبعض الكتب المعربة إلى اللّغة الفرنسية، وسعت في إصدار كتب من تراثنا الجزائري، من بينها: البستان في ذكر الأولياء والعلماء 1326هـ/ 1908م، وكتاب الجواهر الحسان في تفسير القرآن للشيخ عبد الرحمن الثعالبي (1905/1907)، ومفيد المحتاج على المنظومة المسماة بالسراج، لسحنون بن عثمان الونشريسي سنة 1906م، وعنوان الدراية فيمن عرف من العلماء في المائة السابعة ببجاية، لأبي العباس أحمد الغبريني سنة 1930م، وكشف الرموز، لابن حمادوش سنة 1930م…وغيرها. والملاحظ أنّ المطبعة الثعالبية اهتمت بداية نشأتها بتراث الشّيخ عبد الرّحمن الثعالبي، فأوّل كتاب قامت بطبعه هو كتابه “العلوم الفاخرة في النظر في أمور الآخرة”، سنة 1903م، تحقيق محمد بن مصطفى بن الخوجة، وأعادت نشره سنة 1930م.
المرجع:
- ريا الدباس، المكتبات والنشر الإلكتروني، دار يافا العلمية للنشر والتوزيع، الأردن، عمان، 2011.
- محمد بن براك الفوزان، نظام المطبوعات و النشر في المملكة العربية السعودية: شرح ودراسة، نظام المطبوعات والنشر، الرياض، 2009.
- مصالحة محمد، السياسة الإعلامية الاتصالية في الوطن العربي، شروق، 1986.
مواضيع ذات صلة:
تعليقات
إرسال تعليق